السدود القديمة.. معضلة عالمية
كان انهيار سدين في ليبيا، والذين تسببا في إطلاق العنان لمياه الفيضانات الغزيرة التي خلفت ما لا يقل عن 3000 قتيل وأكثر من 4200 في عداد المفقودين، متوقعاً وكان من الممكن منعه. ولن تكون هذه هي آخر السدود الكبيرة التي تنهار، إلا إذا قمنا بإزالة وإصلاح بعض الهياكل القديمة والمتقادمة التي تجاوزت تاريخ انتهاء صلاحيتها منذ فترة طويلة.
مثل العديد من السدود حول العالم، تم بناء سدود وادي درنة في ليبيا في السبعينيات خلال عصر ذروة بناء السدود العالمية، حيث كان يتم إنشاء 1000 سد كبير كل عام. والآن تصل معظم هذه السدود إلى نهاية عمرها الافتراضي. لا تزال التفاصيل تتكشف، لكن يبدو أن انهيار سد ليبيا قد نتج عن سوء الصيانة، وضعف مراقبة الخزانات التي غمرتها عاصفة ممطرة ضخمة. وقد صدرت تحذيرات حاسمة خلال العام الماضي بشأن تدهور حالة السدود والإصلاحات اللازمة لتجنب مثل هذا السيناريو، ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء. ولا تزال هناك كوارث مماثلة من المنتظر حدوثها في جميع أنحاء العالم. ويكمن الخطر الأكبر في الهند والصين، حيث تقترب الآن السدود الضخمة البالغ عددها 28 ألف سد والتي بنيت في منتصف القرن العشرين من التقادم.
على سبيل المثال، يبلغ عمر سد «مولابيريار» في ولاية كيرالا بالهند أكثر من 100 عام، وهو متضرر بشكل واضح ويقع في منطقة معرضة للزلازل. وسيؤدي انهياره إلى الإضرار بـ 3.5 مليون شخص في اتجاه مجرى النهر. وفي الولايات المتحدة، ثاني أكبر دولة في بناء السدود بعد الصين، يبلغ متوسط عمر السدود 65 عاماً، وهناك ما يقدر بنحو 2200 هيكل معرضة بشدة لخطر الانهيار.
ويخصص قانون البنية التحتية الأخير 3 مليارات دولار لصيانة بعضها، ولكن لا تزال هناك آلاف السدود التي لا تتحمل الحكومة الفيدرالية المسؤولية عنها، وسيتكلف إصلاحها ما يقدر بنحو 76 مليار دولار. وتشكل المخاطر الناجمة عن السدود القديمة مصدر قلق خاصاً في مواجهة تغير المناخ. لقد تم تصميم السدود لتحمل أسوأ الظروف كما يمكن تخيلها وقت البناء.
ولكن ما كان يُنظر إليه ذات يوم على أنه أحداث مناخية تحدث مرة واحدة كل قرن بدأ يحدث بانتظام متزايد، مما يعرض السدود لخطر كبير، إما بالفشل أو إضعاف سلامتها بشكل كبير. قبل الكارثة التي شهدتها ليبيا، كان الطقس القاسي الذي تفاقم بسبب تغير المناخ يؤثر بالفعل على هذه الهياكل. وقد دمرت الأمطار الغزيرة سد «أوروفيل» القديم في كاليفورنيا في عام 2017، مما أدى إلى عمليات إجلاء جماعية وسط مخاوف من حدوث تسربات كبيرة خارجة عن السيطرة. وفي عام 2021، دمرت قطعة من نهر جليدي في الهيمالايا سداً وألحقت أضراراً بآخر في شمال الهند، مما أسفر عن مقتل العشرات.
وأصبح ذوبان الأنهار الجليدية الذي يتسارع نتيجة لارتفاع درجات الحرارة الآن خطراً كبيراً على سلامة السدود والمجتمعات التي تعيش في اتجاه مجرى النهر. كان النهج الافتراضي هو إصلاح السدود القديمة عند الحاجة، ومراقبة مستويات الخزانات ومحاولة توقع هطول الأمطار وزيادة التدفقات من المنبع. لنأخذ على سبيل المثال سد «كاريبا» على نهر زامبيزي في جنوب أفريقيا، والذي يخضع لإصلاحات واسعة النطاق لمنع انهياره بعد أن تبين أن مجرى النهر تحته قد تعرض للضعف الشديد. هذه الإصلاحات، التي تبلغ تكلفتها 300 مليون دولار، مطلوبة ببساطة لإبقاء السد قائماً على نهر، حيث انخفض إنتاج الطاقة الكهرومائية بالفعل بسبب الجفاف.
إن مثل هذه المشاريع تعمل في الأساس على سد الشقوق، وغالباً ما تكون أكثر تكلفة بكثير على المدى الطويل من إزالة السدود التي عفا عليها الزمن بالفعل. وفي حين أن بعض السدود القديمة لا تزال توفر مياه الشرب وتساعد المزارعين في ري حقولهم، فإن العديد من السدود التي تم بناؤها للطاقة الكهرومائية لا تولد سوى جزء صغير من الكهرباء التي كانت تنتجها في السابق من خلال تراكم الرواسب خلف جدرانها. كما أدى الجفاف المتزايد المرتبط بتغير المناخ إلى شل توليد الطاقة الكهرومائية في جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى تقنين الطاقة وانقطاع التيار الكهربائي في الولايات المتحدة والصين والبرازيل.
حقيقة أنه بات من الصعب بشكل متزايد تبرير وجود العديد من السدود هي أحد الأسباب وراء وجود حركة متنامية، تقودها غالباً الشعوب الأصلية وغيرها من السكان المهمشين، لإزالتها. والجدير بالذكر أن إزالة أربعة سدود على نهر «كلاماث» على طول الحدود بين ولاية أوريجون وكاليفورنيا، والتي من المقرر أن تكتمل في العام المقبل، ستكون أكبر جهد من نوعه في التاريخ. كما تتسارع وتيرة إزالة السدود وترميم الأنهار في أوروبا.
وتعد أنهارها من بين أكثر الأنهار تجزئةً في العالم، وقد شهدت انخفاضاً كبيراً في التنوع البيولوجي للمياه العذبة. ومن المتوقع أن يؤدي مشروع ترميم نهر «ميوز» في هولندا، والذي يتضمن استعادة سهوله الفيضانية لمعالجة الفيضانات والجفاف، إلى تقليل الفيضانات الشديدة من مرة كل قرن إلى مرة كل 250 عاماً. تعتبر كارثة السد المأساوية في ليبيا بمثابة صفارة إنذار للسدود القديمة الأخرى في جميع أنحاء العالم. وأفضل أداة لدينا هي إزالتها تماماً.
جوش كليم*
*مدير مشارك في مؤسسة الأنهار الدولية غير الربحية.
إيزابيلا وينكلر **
**مديرة مشاركة في مؤسسة الأنهار الدولية غير الربحية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»